لا يرتبط ذلك بالتزام عميق بالدستور، فقد تم خرق الدستور عشرات المرات في السنوات الماضية. وليس له علاقة وثيقة بايمان راسخ بالديمقراطية، فمعظم القوى الرئيسية هي قوى غير ديمقراطية ويقوم بنائها الأيديولوجي على مقولات وتصورات بعضها سابق لمقولة حديثة مثل الديمقراطية ...
قناة "ناس" على تلكرام.. آخر تحديثاتنا أولاً بأول
السبب الرئيسي (وليس الوحيد قطعاً) هو "توازن القوى"، ليس هنالك بين الأقطاب الرئيسية من يمكنه الهيمنة بشكل منفرد على المسرح السياسي وفرض ارادته، وبالتالي تجاوز الانتخابات او تحويلها الى ممارسة رمزية على طريقة الديكتاتوريات التقليدية ذات القطب الواحد. ولذلك فان التحليل العقلاني مهم هنا، فاي من القوى الموجودة تخشى من محاولة فرض هيمنتها بالقوة بسبب رد الفعل المحتمل من القوى الأخرى، وبالتالي هنالك شعور بان تكلفة "انقلابها" هي أعلى من تكلفة القبول بتقاسم السلطة والموارد مع بقية القوى. وبنفس الوقت، فان كل واحدة من هذه القوى تتأهب لاحتمال ان تقوم قوة أخرى بـ "الانقلاب"، ولذلك فانها تحتفظ بجنودها واسلحتها للحظة الحرب المحتملة، وهو ما يخلق ردع كافي يدفع جميع الأطراف الى قبول "الانتخابات"... ستنتهي معادلة الردع هذه لحظة حصول اختلال او تحول جذري في توازن القوى لصالح احد الأطراف (ولذلك نظير في العلاقات الدولية، حيث ترى نظرية "تحول ميزان القوى" ان الحرب اكثر احتمالاً ليس عندما يكون الطرفين المتنافسين متكافئين، بل عندما يحصل اختلال في ميزان القوى بسبب تغيير داخلي او إقليمي كبير يضعف احد الطرفين).
بالنتيجة، يجب ان نفهم الديمقراطية – خصوصاً في مراحل ترسخهاـ وقبل ان تتحول الى ثقافة سياسية (وهو ما لم يحصل وقد لا يحصل في العراق)، على انها نتاج لتوازنات القوى وطريق لتجنب الحرب، وليست تعبيراً عن النوايا الطيبة وعن رغبة اصيلة باستنطاق "إرادة الشعب" (وكلمة الشعب نفسها ليست أكثر من وهم رومانسي لوصف مجتمع فيه شرائح متعددة ومتنافسة واحياناً تكره بعضها البعض).
اذن، حينما تكون الانتخابات هي اللعبة الوحيدة المقبولة و "الممكنة"، وهي لعبة تحدث بشروط تعكس ميزان القوى وليس وفق تمنيات اللاعبين الصغار، تصبح أهميتها ليس في انها مدخل الى تغيير "جذري" لايمكن ان يحدث، بل في انها الطريق الممكن لمنع الحرب الداخلية أولاً، ولمحاولة العمل على تعديل ميزان القوى بشكل نسبي لصالح الطرف الأقرب لمزاجنا/مصالحنا، ثانياً.